بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وبعد:
إن العلماء حقا هم من يحدد الفواصل التي ميّز الله بها الجنس البشري عن بعضهم بعضا دون أن يعتدوا على شرعه المُنزّل، لأن خشية الله قد سبقت إلى قلوبهم، ولا مكان لخشية الخلق، وأنهم حين يسعون لخدمة البشرية، وتحقيق مصالحها، ونشر الأمن في أوساط الأمة
ينظرون إلى الأمور بعينين عين الشرع التي فيها مصالح العباد في الدارين، وعين الكون التي هي تابعة وخادمة لعين الشرع، وما كان معارضا لعين الشّرع لا يكون مصلحة ولن يحقق للبشرية عشر معشار مما تبتغيه من أمن وتميّز وكرامة وعزة، وهاهم رجال الكنائس وقفوا في وجه نظرية الاستنساخ بقوة، وعدّوها نظرية تعارض الأخلاق، ولا تحترم الجنس البشري، وأخرجوها عن كونها مصلحة ومنفعة،
فلماذا يقبل المسلمون بكل نظرية تأتيهم من الغرب ولو كانت متصادمة مع الثوابت، وخادشة للكرامة التي استشهد من أجلها رجال ونساء حتى ثبتت وصارت معلما يعرف بها الجزائري من بين الشعوب في العالم؟
جاء في دباجة مشروع الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية الذي حرر بالجزائر في 9 رجب عام 1426 الموافق 14غست سنة 2005 (ص:4 ـ 5): (
تاريخ الجزائر سلسلة من النضالات المتعاقبة التي خاضها شعبها ذودا عن حريته وكرامته، والرصيد هذا؛ المتمكن على مرّ الحقب والعصور جعل من الجزائر أرضا ترعى فيها قيم التسامح والسلام والحوار والحضارة.
وإذا استمد الشعب الجزائري قوته من وحدته واعتصم بما يؤمن به من القيم الروحية والأخلاقية العريقة، استطاع التغلب على أشدّ المحن قساوة، وإضافة الجديد من الصفحات المشرقة إلى تاريخه الحافل بالأمجاد) انتهى.
وهاهي الدباجة باللغة الأجنبية حتى يفهمها من كان ضعيفا وجاهلا بلغة العرب:
(L’histoire de l’algèrie est une suit de luttes livrèes par son peuple pour dèfendre sa libertè et sa dignitè. Cet hèritage constituè au fil du temps, a fait de L’algèrie une terre de respect des valeurs de tolèrance, de Paix, de dialogue et de civillisation.
Le peuple algerien puisat sa force dane son unitè et s’appuyant sur ses valeure spirituelles et morales sèculaires, a su triompher des èpreuves les plus douloureuses pour ècrire de nouvelles pages glorieuses de son Histoire)
أقول: نعم؛ إذا تمسك الشعب الجزائري المسلم بأخلاقه وقيمه العريقة التي جاءت في دين الإسلام، وعاد إلى أعرافه المتينة التي ورثها عن أسلافه، وضم إليها ما أبدعت البشرية من تكنولوجيا استطاع أن يتغلب على أشد المحن قساوة ومنها الضغوط التي تأتي من دول الغرب لتغيير قيم الشعب الجزائري وإذابته في حوامض جاهليتها التي هي تعاني منها الأمرين.
فهل التكنولوجيا كانت ستقول للإمام ابن باديس انزع لحيتك وإلا كانت وطنيتك محل ريب وشك؟ وهل ستمتد إلى صورته وتخضعها لقانون البيومتري؟وهل كانت ستقول للعلامة الطيب العقبي تخلى عن قيمك، وإلا كنت منبوذا في نظر أمريكا وفرنسا التي أنت تحاربها؟وهل ستقول التكنولوجيا لبنت الأوراس والونشريس تخلي عن خمارك وعفتك وإلا كنت من المغضوب عليهم في مطارات الغرب؟إن
علم تحديد الهوية بدقة ليس شئيا جديدا، بل هو مطبق في كثير من الدول الغربية والعربية، ولم نسمع منهم أنهم قالوا لشعبهم انزعوا كذا أو ضعوا كذا حتى تتضح هويتكم، وتنالوا الرضا من دول الكفر في مطاراتهم، بل طبقت هذه التكنولوجيا دون أن تمسّ بحكم شرعي جاء في الكتاب والسنة، وهذه الدول الإسلامية وأهلها من أكثر الناس ذهابا إلى أروبا وأمريكا لثرائهم ومع ذلك فقد تمّ تحديد هويتهم في حقّ الرجال باللحية، وفي حق المرأة بالخمار، بل نادرا أن تجد جوازا بيومتريا لمرأة بلا خمار في هذه الدول.
فلماذا أنصفت التكنولوجيا هؤلاء وأرادت أن تظلم شعبنا.
هل لأنهم في نظر الغرب أرفع مرتبة منا؟إن الإسلام الحنيف يقبل من الصناعات والاختراعات ما يخدم البشرية وينمِّيها، وهذا أمر لا يشك فيه عاقل، وما كان معارضا لدينها فهو مفسدة فقبوله غبن وغباء، وليس كما يتصوّر من هو سجين في أفكار ماركس واستالين أنه ركون إلى الرجعية، ورضا بالظلام، وعيش في الكهوف كما قالت رئيسة حزب جزائري لا لها في الشرع نصيب، ولا في علم الأكوان ذراع، بل منذ أن عرفناها وهي تلوك كلمات بالية وظفت في عهد الشيوعية أكل الدهر عليها وشرب.
بإمكان ولاة الأمور أن يوظفوا من التكنولوجيا ما يحدد الهوية، وهي البصمة الأصبعية، والبصمة القرانية، وهو معمول به في كثير من الدول المتقدمة جدا عنا، بعيدا عن اللغط والتفسيرات التي تعود سلبا على أمن البلاد وتماسكه،
ولم نسمع عن هذه الدول المتقدمة أنهم وظفوا الأذن كدليل في الوثائق الرسمية لتحديد الهوية، ولا عدوا الذقن من النقاط الفاصلة في الخلاف، بل هذه أمور يلجأ إليها المختصون في قضايا خاصة جدا دون تعميم أو إثارة للفتن.وليعذرني القراء عن هذه الكلمة التي سأقولها:
هل أحاطت الشكوك بالمواطن الجزائري من كل وجه وناحية، أفقيا وعموديا، وصار في قفص الاتهام، وغير مرغوب فيه عالميا، وحتى يخرج من هذه الورطة فعليه أن يستجيب للتكنولوجيا التي توظفها دول الغرب على هواها وإلا كان مهانا في مطاراتهم، قابلا بقراراتهم مخالفا لقرارات وطنه؟إن هذه المعادلة جائرة وباطلة، ولن يقبلها أبناء جيل نوفمبر بحال من الأحوال، فالجزائري حرّ في وطنه، عزيز وشريف بقيمه، و
التكنولوجيا خاضعة لدينه وأعرافه ومبادئه، وهو من يحدد هويته، ولن يقبل من دول الغرب أن تصنفه على منظورها كما يحلوا لها، والواجب على ولاة الأمور أن يحذِّروا هذه الدول من إهانة من اكتسب العزة من دينه ومبادئ أول نوفمبر، وإلا كانت المعاملة بالمثل وعلى نفسها جنت براقش.
اللهم أعزنا في أوطاننا، واجعل التكنولوجيا خدمة لديننا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، واجعله الوارث منا، وأسبل على الجزائر الغراء الأمن والأمان، وجعلها منبرا شامخا يلتمس منه الحكمة والعلم والآمان، والحمد لله ربّ العالمين.
منقووول