مرحلة جديدة ستبدأ وفتن أخرى في انتظار الفتاة وأخيها
أقبل الأمير مسرعا .. رأته الفتاة فأخذت في الصراخ والبكاء ولكن لا مُغيث . هدَّأها الأمير وطمّنها أنه لن يكون سببا في أذيتها وألح عليها أن تقبله زوجا لها . فأبت الفتاة ولكنه ألح وكرّر الإلحاح مرات ومرات . وبعد تفكير عميق قالت الفتاة :
"
لن أقبل بك زوجا حتى تعاهدني على الوفاء بشرطي "
قال الأمير مستبشرا وعلامات السرور على وجهه :
"
قولي ما تودين ، فكل طلباتك ملباة وشروطك مصونة "
قالت الفتاة :
"
أملك غزالا هو كل ما أملك في هذه الحياة وتربطني به ذكريات جميلة ، فأشترط عليك أن لا يُمسَّ بسوء وأن يُعامل كما يعامل بني البشر "
قال الأمير :
"
هذا طلب سهل ، وبمعونة الله سيكون لك كل ما أردت "
فرحت الفتاة فقد سئمت حياة البراري وتريد أن تعيش هي وأخاها في أمن وهدوء . فلا وحوش بشرية أو سبعية تطاردهما ولا جوع يصيبهما ولا برد يخشيان منه . شكرت الفتاة الله على هذه الهبة ، فمن كان سيُصدق أن فتاة يتيمة تعيش في الكهوف وعلى الأشجار ستتنعّم بالدرر والقصور . إنها إرادة الله و رحمته باليتامى الطائعين أن يُسخر لهم مَن يكون سببا في إزالة آلامهم .
تزوجت الفتاة بالأمير وانتقلت هي وأخاها الغزال لتعيش في قصر السلطان .
مرّت الشهور ، وفي أحد الأيام طرق سائل على حمار باب القصر يطلب القوت والغذاء ، رأته الفتاة فأسرعت إليه طالبة من الحرس إحضاره في الحال ، وفي أثناء ذلك طلبت من الخدم أن يُعدوا أشهى وأطيب الطعام ، لقد عرفته ، إنه أباها لم تتغيُر ملامحه فلا زال شاحبا بائسا كما تركته .
أحضره الحرس فانبهر ولم يُصدق أنه دخل قصر الملوك ، لم يحلم بهذا في حياته وإنما جلُّ أمنيته بطرقه للباب أن يُعطوه بعضا من النقود أو قليلا من الطعام . رأى غير بعيد عنه مائدة عليها كل أصناف الطعام ، دعاه الخدم إليها فاشتدت حيرته و زاد إعجابه . أكل حتى شبع وشرب حتى ارتوى .
ثم أطلت عليه أميرة جميلة ، إنها ابنته لم يعرفها طبعا ، لقد كبرت . حاملة معها كيسا به خبز كانت قد أعدّته بيديها .
شكرها على كرم الضيافة و زودته بما لذّ وطاب وأعطته لباسا ودراهم ولم تنس أن تعطيه كيس الخبز .
خرج فرحا مسرورا ، لا يدري هل ما عاشه حلم أم حقيقة . وبين الفينة والأخرى كان يتفحص "
شواري الحمار " ليتأكد مما عايشه . أسرع إلى البيت ليخبر زوجته بهذا النبأ السار . نادى زوجته وأخبرها ما جرى له ، ثم أحضر الشواري وأفرغه .. تعجّبت الزوجة من هذا السخاء .. وقالت في مكر ودهاء :
"
مَن تكون هذه الأميرة الكريمة ؟!!!! "
تذكّر الوالد الكيس فأحضره وأخرج الخبز ، أكل جزء منه فتذكّر ابنته الصغيرة ، لقد كانت تطهو الخبز بنفس هذا الطعم ، أجهش بالبكاء قالت الزوجة :
"
ما يُبكيك ؟ " قال : "
ذكّرني طعم هذا الخبز ، ابنتي "
قالت الزوجة حينها :
"
نعم ، لقد أيقنت أن هذا الصنيع وراءه شيء مستور "
قال الزوج :
"
ماذا تقصدين ؟ "
قالت : "
لن يكون هذا التصرف إلا من ابنتك "
قال الزوج فرحا :
"
أتقصدين أن الأميرة هي ابنتي !!!"
قالت الزوجة والأسى بادٍ عليها : "
نعم "
فكّرت الزوجة الماكرة في حيلة لزيارة البنت المطرودة وكشف حقيقتها ، ثم أمرت الزوج أن يأخذ ابنتها لزيارة أختها الأميرة ، قائلة له "
لا بد أن نرى هل ما توقعناه صحيحا ، أوصل ابنتك إليها وستأتينا بالخبر " . اقتنع الزوج وأخذ ابنته لزيارة ومكالمة الأميرة ...
يتبع