بسم الله الرحمن الرحيم
ما لهم ولمعاوية رضي الله عنه
أخرج الخلال أن أبا طالب أحمد المشكاني رحمه الله سأل الإمام أحمد رحمه الله:
أأقول معاوية خال المؤمنين؟ وابن عمر خال المؤمنين؟ قال:
نعم, معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان, زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما , وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما, قلت:
أقول معاوية خال المؤمنين؟ قال:
نعم ( ) .
وسئل كذلك-رحمه الله- عمن قال:
لا أقول إن معاوية كاتب الوحي, ولا أقول إنه خال المؤمنين؛ فإنه أخذها بالسيف غصباً, قال أبو عبد الله:
هذا قول سوء رديء, يجانبون هؤلاء القوم, ولا يجالسون, ونبين أمرهم للناس( ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-
لم يتول أحد من الملوك خيراً من معاوية, فهو خير ملوك الإسلام, وسيرته خير من سيرة الملوك بعده)( ) .
وقال
لم يكن من ملوك المسلمين ملك خير من معاوية, ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده ... روى أبو بكر الأثرم... عن قتادة قال: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية, لقال أكثركم هذا المهدي .وكذلك رواه ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال: لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي. ورواه الأثرم حدثنا محمد بن حواش حدثنا أبوهريرة المكتب قال: كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله, فقال الأعمش: فكيف لو أدركتم معاوية, قالوا: في حلمه؟ قال: لا والله بل في عدله)( ) .
قال الزهري-رحمه الله-
عمل معاوية-رضي الله عنه- بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً)( ) .
وكل ما صح في مناقب الصحابة على العموم, ومناقب قريش فمعاوية-رضي الله عنه- داخل فيه, كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله ( ) .
أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن أبا سفيان -رضي الله عنه- قال للنبي صلى الله عليه وسلم :
يا نبي الله ثلاث أعطنيهن, قال: نعم...وذكر منها: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك, قال: نعم.قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله-
معاوية عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم, يعني الصحابة)( ) .
وقال الإمام أحمد غفر الله له
مالهم ولمعاوية نسأل الله العافية)( ) .
وسئل عن الذي يشتم معاوية أيصلى خلفه؟ قال:
لا يصلى خلفه, ولا كرامة ( ) .
قال ابن القيم-رحمه الله-
كل حديث في ذمه فهو كذب)( ), ومن ذلك الكذب: القصة التي نشرها أحد القصاص-وما أكثرهم في هذا الزمان هداهم الله لكل خير- في اتهامه لمعاوية ووالده بالسرقة, نسأل الله السلامة , بل كل ما يورد على الألسن أو في الكتب أو المقالات أو غيرها في انتقاص واحد من الصحابة رضي الله عنهم فاردده, ولا تقبله.
وفقد أجمع أهل السنة أن كل الصحابة عدول لم يخالف إلا شواذ المبتدعة,كما حكاه غير واحد من العلماء ( ). قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » متفق عليه.
قال الإمام أحمد-رحمه الله-
فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه, ولو لقوا الله بجميع الأعمال)( ) .
وقال
إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام)( ) .
وقال
من انتقص واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه, أو ذكر مساوئه كان مبتدعاً, حتى يترحم عليهم جميعاً, ويكون قلبه لهم سليماً)( ) .
وقال أبو زرعة-رحمه الله-
إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق, والقرآن حق, وإنما أدى إلينا هذا القرآن, والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنما يريدون إن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة, والجرح بهم أولى, وهم زنادقة)( ) .
فمن سب أحداً من الصحابة رضي الله عنهم, فهو فاسق مبتدع بالإجماع, وهو مستحق للعقوبة الشديدة قال شيخ الإسلام-رحمه الله-
من لعن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كمعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ونحوهما ؛ ومن هو أفضل من هؤلاء : كأبي موسى الأشعري ، وأبي هريرة ، ونحوهما ؛ أو من هو أفضل من هؤلاء كطلحة ، والزبير ، وعثمان ، وعلي بن أبي طالب ، أو أبي بكر الصديق ، وعمر ، أو عائشة أم المؤمنين ، وغير هؤلاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين . وتنازع العلماء : هل يعاقب بالقتل ؟ أو ما دون القتل ؟)( ) .
وقد كان السلف يعظمون هذا الأمر , حتى انتقل من الكوفة لبلد آخر جريرُ بن عبدالله, وحنظلةُ, وعدي بن حاتم -رضي الله عنهم- وقالوا : «
لا نقيم ببلد يشتم فيها عثمان»( ) .
وضرب عمر بن عبد العزيز-رحمه الله- من شتم عثمان-رضي الله عنه- ثلاثين سوطاً( ) .
قال إبراهيم بن ميسرة-رحمه الله-
ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناً شتم معاوية فضربه أسواطاً)( ).
وما وقع بين الصحابة-رضي الله عنهم- فهم فيه مجتهدون, ويجب الكف عنه, وعدم الخوض فيه, قال شيخ الإسلام -رحمه الله-
الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم؛ لأن المقاتل وإن كان باغياً, فهو متأول، والتأويل يمنع الفسوق)( ) .
وقال
اتفق أهل السنة على أن لا تفسق واحدة من الطائفتين - أي طائفة علي ومعاوية رضي الله عنهما-)( ) .
وقال
روى ابن بطة بالإسناد الصحيح ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا تسبوا أصحاب محمد, فإن الله قد أمر بالاستغفار لهم, وهو يعلم أنهم سيقتتلون)( ) .
قال الذهبي -رحمه الله- : «
فالقوم لهم سوابق, وأعمال مكفرة لما وقع بينهم ، وجهاد محّاء ، وعبادة ممحصة ، ولسنا مما يغلو في أحد منهم, ولا ندّعي فيهم العصمة »( ) .
وأختم بنصيحة لإخواني طلبة العلم وغيرهم ممن صدر نفسه لكل شيء خاصة ممن يخوض في مدلهمات الأمور, التي تذهب ضحيتها أنفس, ودماء, وأعراض, وقبل ذلك الدين والسنة, أن يتأمل في قول محمد بن سيرين-رحمه الله-
هاجت الفتنة, وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما حضر فيها مائة بل لم يبلغوا ثلاثين)( ) .
فهذا درس عملي من آلاف الصحابة-رضي الله عنهم- في أنهم لم يدخلوا في الفتنة مع علمهم وتقواهم وزهدهم, بل إن أمّنا عائشة -رضي الله عنها- زوج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة, ندمت على أمر فعلته من باب الإصلاح مع أن لها أجراً في اجتهادها رضي الله عنها, قال شيخ الإسلام-رحمه الله-
خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين, وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى, فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها)( ) وهي العالمة الزاهدة الورعة التقية النقية أحب الأنفس لرسولنا صلى الله عليه وسلم , ورضي عنها.
فهلا عرف ذلك من صدَّر نفسه من شباب أهل هذا الزمان وصار يصدر البيانات تلو البيانات, ويسطر الكلمات التي تأجج الفتن في الدين والدنيا, ظاناً أن الحق ضائع إن لم يتكلم, ناسباً التقصير لعلمائنا الكبار, ومشايخنا الأجلاء, الذين هم-والله-ملء السمع والبصر, فلم يلزم ما قاله علماؤه, وكبراؤه في عدم الخوض فيما لا يعنيه من أمور العامة, فصار يتكلم في كل فتنة تقع في أنحاء العالم بما يمليه فكره وهواه, وليته عرف أن كف اللسان خاصة في أوقات الفتن من أهم المهمات, فليس كل ما يعلم يقال,
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال :
حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته , وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم.
فهو رضي الله عنه لم يذعه خشية الفتنة. وأخرج أيضاً عن ابن عمر -رضي الله عنه-قال
خشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع, وتسفك الدم, ويحمل عني غير ذلك) مع أن ما سيقوله حقاً لكن لما رجحت مصلحة الإمساك على مفسدة الكلام كفَّ لسانه.
قال الإمام أحمد-رحمه الله-
والإمساك في الفتنة سنة ماضية, واجب لزومها, فإن ابتليت فقدم نفسك دون دينك, ولا تعن على فتنة بيد, ولا لسان, ولكن اكفف يدك, ولسانك)( ) .
قال الآجري رحمه الله (
ومن أراد الله تعالى به خيراً فتح له باب الدعاء ، والتجأ إلى مولاه الكريم ، وخاف على دينه ، وحفظ لسانه ، وعرف زمانه ، ولزم المحجة الواضحة السواد الأعظم ، ولم يتلون في دينه ، وعبد ربه عز وجل ، وترك الخوض في الفتنة ، فإن الفتنة يفتضح عندها خلق كثير)( ) .
أسأل الله أن يرضى عن معاوية ووالده وجميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يرضيهم, وأن يلحقنا بهم غير مبدلين ولا مفتونين.
كتبه
د محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء