الجريمة الفرنسية في حق الهوية الجزائرية
أو بعبارة أخرى
تحريف الاستعمار الفرنسي لألقاب العائلات الجزائرية
بموجب "
قانون الألقاب" الصادر في 23 مارس 1882 الموثق من طرف الإدارة الاستعمارية الفرنسية تم تغيير الآلاف من الألقاب الجزائرية إلى ألقاب غير لائقة كـ: "حمار" أو "بوذيل" أو "مجنون"... غصبا عن أهاليها وأجبروا على حملها, ورغم استقلال البلاد ومرور 128 سنة على إصدار هذا القانون لا تزال الوثائق الرسمية تشهد على هذا الخلاف في حق الهوية الجزائرية, ناهيك عن الشعور بالمهانة اليومية لمن يحملون ألقاب كالمذكورة مسبقاً.
وتعد هذه الحالة من المحاولات التي تهدف لطمس الهوية الجزائرية.
ومن أهم ملامحها إجبار الأهالي على تسجيل المواليد الجدد وعقود الزواج لدى مصالح الحالة المدنية الفرنسية, بعدما كانوا يقصدون القاضي الشرعي أو شيخ الجماعة. إذ نجد أن الألقاب الجزائرية قبل هذا القانون كانت ثلاثية التركيب (
الابن والأب والجد), وفي حالات أخرى خماسية التركيب, بحيث تضاف لها المهنة والمنطقة, مثال:
أحمد بن أحمد بن موسى البناي الوهراني. وكانت ألقاب الجزائريين, في أغلبها ذات دلالة دينية (محمد, إبراهيم), ودلالات طبيعية (الربيع, وردة, فله), ودلالات تاريخية (الأمير عبد القادر).
لكن رغبة المستعمر في طمس الشخصية الجزائرية العربية والإسلامية وتعويضها بهوية هجينة, دفعه لإطلاق ألقاب غريبة ومهينة يتحشم حتى التلفظ بها, وهي مأساة يعيشها آلاف الجزائريين حتى اليوم. وأمثلة من هذه الألقاب: "
خاين النار", "
بومعزة", "
كناس", "
بومنجل"...... وغيرها.
وخيار مثال على ذلك شخصية يعرفها كل الجزائريين إنه لقب وزير الثقافة السابق "
محمد العربي دماغ العتروس"؛ وكلنا نعرف أن التيس في لغتنا هو العتروس أي يقصد بدماغ العتروس "
رأس التيس".
والغاية من كل هذا ليس منح الجزائريين ألقاب, وإنما رغبة في تحطيم معنوياتهم, من خلال جعلهم يرددون أسمائهم بطريقة مشينة طول الوقت وعلى مرِّ الأزمان.
ويقول الدكتور جمال اليحياوي –وهو أستاذ جامعي ورئيس المركز الوطني للدراسات في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر- في كشفه عن الجريمة الثقافية في حق الهوية الجزائرية:<< ا
لاستعمار ألصق ألقاباً بالجزائريين نسبة لأعضاء الجسم والعاهات الجسدية فيه, وألقاباً أخرى نسبة للألوان وللفصول ولأدوات الفلاحة وللحشرات وللملابس وللحيوانات ولأدوات الطهي>>
الأهداف الجهنمية
يرى يحياوي أن هناك سبعة(7) أهداف جهنمية وراء استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية والخماسية وتعويضها بألقاب مشينة ولا ترتبط بالنسب:
1- الاستيلاء على الأراضي,
2- تفكيك نظام القبيلة ,
3- إبراز الفرد كعنصر منعزل لإرساء دعائم الملكية الفردية,
4- تغيير أساس الملكية إلى أساس النسب بدلا من أساس القبيلة,
5- القضاء على الشخصية الإسلامية من خلال تغيير الأسماء ذات الدلالة الدينية,
6- إحلال الفرد في المعاملات الإدارية والوثائق مكان الجماعة,
7- تطبيق النمط الفرنسي الذي يخاطب الشخص بلقبه وليس باسمه.
لقد عملت هذه الألقاب على تفريق الكثير ممن كانوا إخوة بالنسب وينتمون لأب واحد, وأهم هدف من كل هذا هو الاستيلاء على الأراضي الجزائرية, كما حدث "
للشيخ الحاج البخاري بن أحمد بن غانم" وله أربعة أولاد: محمد, عبد القادر, أحمد, ومحمد الحبيب, فقد خسر هذا الشيخ أرضه بعد رحيله إلى سوريا, وبعدما قامت الإدارة الفرنسية بتغيير لقب أولاده:
فسمي محمد باسم
عسّال لأنه كان يشتغل في تربية النحل وجني العسل,
أما عبد القادر فسمي
بووشمة نظراً لوجود وشم على جبينه,
أما أحمد فسمي
بحري لأنه كان يستقبل الجهة البحرية ويتأمل,
أما محمد الحبيب فسمي
نداه أنه كان نداه أي منادي أو سريع الاستجابة للأمر,
وكل منهم صار أبناءه إلى حد الآن يسمون بلقبه الذي وضع له.
وأمام هذه المأساة, وجه الدكتور جمال يحياوي نداء للسلطات الرسمية باتجاه تسهيل إجراءات تصحيح الألقاب, خصوصاً وأن العملية معقدة ولا تتم إلا عبر بوابة القضاء, رغم وجود تشريع صادر عام 1971 يعطي الحق في تغيير الأسماء والألقاب القبيحة.