الحكاية الشعبية هي أحدوثة يسردها راوية في جماعة من المتلقين، وهو يحفظها مشافهة عن راوية آخر، ولكنه يؤديها بلغته، غير متقيد بألفاظ الحكاية، وإن كان يتقيد بشخصياتها وحوادثها، ومجمل بنائها العام. وغالباً ما ترويها العجائز لأحفادهن، في ليالي الشتاء الطويلة، قبل الذهاب للنوم، وقد يرويها غير العجائز، في مواقف تقتضيها، للعظة والاعتبار وضرب المثل، ولكن الحكاية لا تسرد على الأغلب إلا ليلاً، في جو يتم التهيؤ له، فالجدة تقعد على حشيّة، ويقعد الأولاد أمامها في استعداد للتلقي. وتلقى الحكاية بلغة خاصة متميزة، ليست لغة الحديث العادي، مما يمنحها قدرة على الإيحاء والتأثير، وغالباً ما يكون الإلقاء مصحوباً بتلوين صوتي، يناسب المواقف والشخصيات، وبإشارات من اليدين والعينين والرأس، فيها قدر من التمثيل والتقليد.
ويتم التلقي بإصغاء حاد، قد يتخلله الضحك، أو الفزع، كما يقتضي الموقف، ولكن في تقدير واحترام، وتصديق واندهاش، ومن غير مقاطعة.
(
الحكاية الشعبية:د/ أحمد زياد محبّك)
في الأدب الشعبي الجزائري تحتل الجدة مكانة مرموقة، والعديد من الكتاب تحدثوا عن مدى تأثير جداتهم فيهم..فالكاتبة الجزائرية أسيا جبّار تقول عن جدتها:
"
كانت الجدة تقص حكاياتها ليلا على الحصير، وبقرب نور شمعات.صوتُ المعلمة، وصوت جدتي تشابكا في ذاكرتي."
عموما شغلت الحكاية الشعبية بصفتها أحد مكونات الثقافة والموروث الشعبي، حيزاً كبيراً في نسيج طفولةٍ كل منا، وأيـا كان مبلـغ اهتمامنـا بهـا، أو حتى عدم التفاتنا إليها فمن العسير إنكار وجودهـا بين منتجيهـا، ودورهـا الفاعـل في حياتهـم، لأنها كانت في زمن مضى،
أول الفنون السردية التي يتلقاها الطفل، ففي البيت، وهو المكـان الأول الذي يتلقى فيه الفرد معارفه الأولى، كما
يتلقى الإجابات عن الأسئلة الملغزة، التي ترتبط بمحيطه من مظاهر الطبيعة، إلى أُناس يتكشفون له من صلات قرابـة، إلى الجـوار إلى أعداء محيطين، مشمولة بالتجارب الخاصة، والمواقف المختلفة، التي تمر به وتصادفه، فهي تلبيه لحاجةٍ معرفية تثقيفية جماعية
وقد توارثت الجماعة حكاياتها لتؤدى وظيفةً تربويةً تعليميةً وعظيـةً، فقصُ الحكايات من الوظائف الثابتة في المجتمـع، فدون كل عناصر الثقافة الشعبية، تتميز الحكايات الشعبية بسلوك شعبي مُمارس ومتعارف عليه في أغلب الأمم وفي مقدمتها الأمة العربية.
لكلّ حكاية شعبية شخصياتها التي تمارس برنامجها السردي، وتسهم في ضبْط إيقاع الأحداث بظهورها على مسرح الحكي تارة، وغيابها تارة أخرى.
الحكاية الشعبية ببعدها السطحي التشويقي، وبنيتها العميقة أساسا
هدفها الموعظة والاعتبار والعبرة لتشغيل العقل، وإبقائه يقظا ما أمكن كي يتحاشى الفرد الزلل، ويحمي المجتمع نفسه من الانحراف، فيعمّه العدل والأمن والأمان والسعادة.
بقرة اليتامى هي حكاية شعبية معروفة، وأكثرها انتشارا في بلاد المغرب العربي، بل هي حكاية شعبية عالمية، حيث تعددت طرق وأساليب روايتها..متلقّي الحكاية يجد نفسه في مواجهة وجهيْن للنمط الأصلي للأم ؛ الوجه السلبي الذي جسّدته زوجة الأب الشريرة، والوجه الإيجابي الذي يمثّله دور الأم الضحية.
الطفل وهو يستمع إلى هذه الحكاية يجد فيها تعبيرا عن الصيرورات النفسية التي يعانيها، ويعيشها في مختلف مراحل حياته.
القيمة العالية للحكايات الشعبية تكمن في الأبعاد الجديدة لمخيّلة الطفل الذي يعجز بمفرده عن التوصّل إليها، فتساعده على توجيه حياته، ووجوده بشكل أفضل.
وتتفق جميع الحكايات في أن نهاياتها تكون مفرحة ومعروفة في الوقت نفسه، فالبطل يواجه صعوبات أسطورية ومشقات فظيعة يتغلب عليها دائماً ويحقق أهدافه كافة.
يمثّل جمْعُ المادة الخام الأساس الجوهري الذي تبنى عليه الدراسة الأنثروبولوجية للحكاية الشعبية.
لا بدّ أن تتوفر في الجامع للمادة مجموعة من الشروط منها المهارات الشخصية، والقدرات العلمية كمعرفة أفضل الطرائق وأضمنها للحصول على المادة.
تهيئة الظروف المساعدة والمشجعة للراوي كي يروي حكاياته، والكشف عن كل ما بداخله، في جوٍّ من الثقة والاطمئنان.
لا بدّ من التفريق بين الحكاية الدينية الموثّقة، والتي غايتها استنتاج واقعة وحكم شرعي، والحكاية الدينية الخيالية التي هدفها ضرْبُ المثل والعبرة، ويمكن إدراجها في حقْل الأدب.
"
مصطلح التراث الشعبي" أو "
الموروث الشعبي ": مصطلح شامل نطلقه لنعني به عالمًا متشابكا من الموروث الحضاري، والبقايا السلوكية والقولية التي بقيت عبر التاريخ، وعبر الانتقال من بيئة إلى بيئة، ومن مكان إلى مكان في الضمير العربي للإنسان المعاصر، وهو بهذا مصطلح يضم البقايا الأسطورية أو الموروث الميثولوجي العربي القديم، كما يضم الفولكلور….سواء كان قوليا أو نفعيا أو ممارسا وسواء ظل على لغته الفصحى أو تحول إلى العاميات المختلفة السائدة في كل بيئة من هذه البيئات….ويضم هذا المصطلح الأدب الشعبي المدون والشفاهي، ماهو تراث منقول عبر المكان والزمان وظل يقاوم كل محاولات طمسه حتىَ وصل إلينا بصورة واضحة في المطبوع من هذا الأدب والمحفوظ الثابت… فمصطلح "التراث الشعبي" يضم الممارسات الشعبية السلوكية والطقسية معًا، كما يضم الفولكلور، والميثولوجيا العربية، ويضم أيضا الأدب الشعبي الذي أبدعه الضمير الشعبي أو العطاء الجمعي لأدباء الشعب العربي في مسيرته الحضارية من قديم وإلى اليوم…
من كتاب " الموروث الشعبي وقضايا الوطن " بتصرف