فَضْلُ التعاون على الخير خاصة في الأَزمات
للشيخ أبي سعيد بلعيد الجزائري
إنَّ الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو (
لطيف بعباده يرزق من يشاء، وهو القويّ العزيز)[الشوري 19]، وقال تعالى (
وهو الذي يُنَزِّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد)[الشوري 28]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
لمَّا خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي" متفق عليه، كما بيّن صلى الله عليه وسلم: "
أن الله أرحم بعباده من المرأة بوليدها" متفق عليه.
أيها المسلمون/ لقد كنتم قبل أسابيع في ضيق وشدّة بسبب تأخر نزول المطر الذي به حياة الناس، وسقيا الأرض والدواب، ثم فرّج الله الشدة ورحم ضعفنا فأنزل علينا الغيث بفضله ورحمته فَارْتَوَتِ الأرض، وسالت الوديان، وامتلأت السدود، ونزلت الثلوج، فاحمدوا الله واشكروه وحده على هذه النعمة العظيمة، قال الله تعالى (
إن الله عنده علم الساعة ويُنَزِّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) [لقمان 34].
فعلينا أن نشكر الله كثيرا،وأن نحمده دائما على كل النعم، وعلى هذه النعمة نعمة الغيث،وذلك بالتحدث بها، وإضافتها إلى الله تعالى، واعتقاد أنها من الله وحده، والاستعانة بهذه النعمة على طاعة الله، والحذر من كفران النعمة، أو الغضب منها، أو من إضافتها إلى غير الله تعالى، فإنّ بعض الناس لا ينسب نزول المطر إلى الله تعالى، وإنما ينسبه إلى الطبيعة (
واعلموا أن طريقة الكلام معتبرة في ديننا،فعلينا اجتناب الكلمات التي تخالف ديننا، مثل عبارة: دَقَّ ناقوس الخطر،لأن الناقوس من شِعار النصارى.وعبارة: مثواه الأخير،إذا دُفِن الميت،لأن القبر هو المثوى الأول للحياة بعد الموت. وعبارة: شاءت الظروف،أو شاء القَدَر،أو حَكَمَتِ الأقدار،لأن الله هو الذي يشاء وليست الظروف). إذن، فإن نسبة نزول المطر إلى الطبيعة جهل وإلحاد، لأن الله تعالى هو الذي ينزله بقدرته وحكمته، وهو الذي يحبسه كما يشاء وعمن يشاء.
روى زيد بن خالد الجُهَنِي، رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على إثر سماء (أي نزول مطر) كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.قال:قال:"
أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر،فأما من قال:مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مُطرنا بِنَوْءِ كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب" رواه البخاري (846) ومسلم (71).
أيها المسلمون، إن الله تعالى جعل المؤمنين أمة واحدة، وأمرهم بالتعاون فيما بينهم، وبتفريج الكُرُبَات عن المبتلين، ومدّ يد المساعدة للمحتاجين، قال الله تعالى: (
وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) [الحج 77]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُهُ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلم كُربة فَرَّج الله عنه بها كُربة من كُرَبِ يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " متفق عليه.
إنه بعد نزول هذه الأمطار الغزيرة، والثلوج الكثيفة، فإن المطلوب مِنَّا ما يلي:
1-
الدعاء بأن يُحَسِّنَ الله الأحوال، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم،أنه دعا الله تعالى،فقال:"
اللهم حَوَاليْنا ولا علينا،اللهم على الظِّرَاب،(أي:اجعل الأمطار تَنْزِل على الجبال الصغار)
،والآكام(أي:التُّلُول)
،وبطون الأودية،ومنابت الشجر،اللهم سُقْيَا رحمة لاسُقْيَا عذاب،ولاهدم،ولا غَرَق،اللهم صَيِّبًا نافعا". متفق عليه.
2-
التعاون ومساعدة المحتاجين بفك العزلة، وتوفير الحاجيات من: الطعام، ووسائل التدفئة، والأدوية، والأغطية، والكهرباء،وغير ذلك.وعلينا أن نُؤثِر غَيْرنا،(أي:أن نعطي لإخواننا شيئا من حاجاتنا)،كما قال الله تعالى(
ويُؤْثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة،ومن يوق شح نفسه فأولائك هم المفلحون)[الحشر9]، فمن فعل ذلك لوجه الله تعالى فله الأجر العظيم، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
من كان معه فَضْلُ ظَهْر(أي:زيادة مركوب)
، فَلْيَعُدْ بِهِ على من لا ظَهْرَ له، ومن كان له فضل من زاد، فَلْيَعُدْ به على من لا زاد له" رواه مسلم.
3-
الابتعاد عن استغلال حاجة الناس، خاصة من التجار الذين يرفعون الأسعار ولا يخافون من الله العزيز الجبار، و من تجار المناسبات،الذين يستغلون الأزمات.
4-
البعد عن الفوضى وقطع الطرقات للمطالبة بالحاجيات أو الاعتداء على الموظفين الذين يحرصون على إعادة الأمور إلى الحسن والأحسن،قال الله تعالى(
ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين)[البقرة 190]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
من رمانا بالليل فليس منا" رواه أحمد، وغيره (صحيح).
5-
على الموظفين أن يقوموا بأعمالهم وليحذروا الإهمال فإنهم مسؤولون أمام الله تعالى، وليصبروا على ما ينالهم من تعب ونصب فلهم الأجر الكبير على ذلك.
6-
الصبر ابتغاء وجه الله تعالى، والنظر إلى من هو دوننا في أمور الدنيا،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم: "
والصبر ضياء" رواه مسلم.
7-
البعد عن المخاطرة بالنفس، فيبتعد المسلم عن الأخطار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
من ركب البحر حين يَرْتَجّ فهلك فقد برئت منه الذمة".رواه أحمد(حديث حسن).
8-
المحافظة على العبادات والحذر من التهاون بها،خاصَّة الصلاة، ومعرفة حالات جواز التيمم، و جواز جَمْعِ الصلاة، وأداء الصلاة في البيت،وما أشبه ذلك.
9-
بَذْلُ الشُّكْر لكل من قدَّم المساعدات،سواء كان من الدولة،أوالجمعيات الخيرية،أو من الأفراد المحسنين،جزاهم الله خيرا. فقد قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم:"
من لايشكر الناس،لا يشكر الله".رواه التِّرمِذي(حديث حسن).
والحمد لله رب العالمين،أوَّلاً وآخِرًا.