قال الدكتور عميش عبد القادر في رسالته المسماة "
قصـة الطفـل في الــجزائـــــر دراسة في الخصائص والمضامين " :
تعديــل المضمون الشعبــي :يعتبر المضمون الشعبي قيمة شائعة بين كل العناصر المكونة للواقع الإجتماعي وانبتاتها عن أحقية الإمتلاك يعرضها للتعددية الدلالية وعلي ذلك ارتكز علماء النفس في صياغة المضمون بما يناسب نظرياتهم العلاجية، وقد سلك ذلك الغربيون حين احتجوا على المشاهد البشعة والمواقف الدموية المؤلمة، وكل ما من شأنه أن يشكل خطرا على مشاعر الطفل ((
..وكان تأثير هذا الأحتجاج أن أعيدت في أوربا كتابة حكايات الجنيات والخرافات المفزعة لتخفيف ما تحويه في أصولها المتوارثة من تفصيلا ت البشاعة والتعذيب . ففي قصة الغربان السبعة من مجموعة الأخوين (قريــم) مثلا. ففي ألأخت الصغرى التي يتحتم عليها أن تقطع أصبعها لكي تتمكن من دخول القصر الفضي وتنقذإخوتها السبعة،عدلت القصة بحيث لا تشير الى الألم أو الدم الذي سال من بتر ذلك الأ صبع ..))(36).
وكذلك سلك الأ شتراكيون العرب ضربا من التعديل في قصة (علاء الدين واللصوص الأربعون) من رأوا اعتبار الأموال المسروقة ملكا للفقراء بتقبل تقسيمها على من يستحقها من المعدومين، وهم إذ يسلوكون هذه السبيل فإنما عن رغبة في مقارعة الروح البرجوازية الأقطاعية حسب اعتقادهم. ويرى علماء النفس (37) نقيض ما سلف الإختلاف في تبصر الغايات الكامنة وراء ذلك فيقولون بإمكان الإبقاء على المواقف البشعة حتى يوطن نفسه على خوض مخاطر الحياة زيادة على كونها كاشفة عن الجانب السلبي للحياة شريطة أن نوجه هذه المضامين لأطفال يتمتعون بادراك يرقي على المستوات الدنيا من ذلك، وحقيقة الأمر أن حياة كتاب الطفل قصيرة لكنها قد تحدث بفكرتها البسيطة أثرا عميقا في نفسية الطفل، وقد تطبع بعض سلوكاته على مدى بعيد بالتأثير المباشر.
ويوضح النص التالي عينة من القصص المكتوبة للطفل في الجزائر مخالفة لما سلف وأن أوصى به علماء النفس، الشيء الذي نفسره بقصور الثقافة النقدية التي كان أحرى بالقاص امتلاكها فالخائض في هذي السبيل تلزمه عدة الأ طلاع على النظريات النفسية التي تلائم خصوصيات التربية النفسية للطفل الجزائري(
أخذت تتمايل في مشيتها إلى أن سقطت في النهر فأخذت تتخبط في دمها وهي تصارع سكرات الموت، وترسل انفاسها الأخيرة..)(38). فذكر الدم من الأشياء التي لا تلائم صفاء وبراءة الطفل مع عملها على تنفيرة من المطالعات،والتشويش على فعل التلقي.
ولما كان المضمون الشعبي في قصص الأطفال قابلا للتحوير فقد إتجه بعض القصاصين بهذا المضمون إلي تطعيمه بالعصرنة فحملوه دلالات مادية وروحية هي بنت العصر، أنتجتها العلاقات الإجتماعية في شروطها السياسية الروحية، فهذا موسى الأحمدي نويوات بعد أن يسرد أحداث قصة (
اللص والعروس) كما يصرح باحداثها الشعبية، فانه يخرج عما ارتضاه من حبكة فنية في خاتمة الأحداث فيخاطب الطفل المتلقي مباشرة في غير صياغة لائقة بالمقام القصصي فيقول
اتركوا الكذب والسرقة وصلوا وصوموا وتخلقوا بالأخلاق الفاضلة، وعودوا إلى دياركم وبساتينكم ومزاريعكم. وابنوا هناك مسجدا للصلاة، وأسسوا مدرسة لتعليم أبنائكم )(39). وليس في هذا الكلام سوى هيكل عظمي إذا صح حضوره فإنه يكون من باب الحشو الذي لوأملته الضرورة الشعرية لكان أقل فضاضة، ولكن المؤلف يشفع له أنه من مدرسة أدبية لغوية جزائرية لاترضى بتجريب الحداثة الأرتجالية والقيم الأخلاقية المبنية على الأصول الأجتماعية للمجتمع الجزائري .
وتتوطد هذه الرؤية للمنظور الشعبي من حيث حضوره الدلالي في قصة الطفل في الجزائر، مرتبطة في أعمق مكوناتها بالنشاط المجازي الكنائي في الذاكرة البلاغية العربية. إذ أول ما وقعت المفارقة بين الحقيقي والمجازي كانت بإيجاد المفارقات الضدية والفجوات الدلالية بين العناصر الكلامية الفاعلة في دلالة الجملة العربية، غير أن فارق الوعي الجمالي بين وعي الكبار والصغار كامن في كون الراشد يتلذذ المفارقة المجازية، وهو قادر على العودة بالقياس إلى القرينة الفارقة الموظفة لتبعيد المعنى، أما الطفل فلا يغادر الدلالة المجازية حاملا أياها على الحقيقة، فهوفي بداية سنه ليس له خبرة بالحياة يصدق كل ما يواصله غير مفرق بين الرامز والحقيقي .