الأنساب والحاجة إلى منهج علمي
أ. د. عماد محمد العتيقي
محاضرة ألقيت في خميسية حمد الجاسر الثقافية 29 شوال 1426
بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله.
أيُّها الحضورالكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فالكلام في مناهج بحث الأنساب يعتريه الكثير من الطموحات لما في كتابات الأنساب من افتراضات ومسلمات لم تثبت بأي وسيلة من وسائل الثبوت العلمية. وليس المقصود بهذه المحاضرة الوصول إلى إجابات محددة بقدر ما هو تسليط الضوء على مدى احتياجنا لمنهج علمي وعرض بعض وسائله.
إن تتبع تاريخ الشعوب يدل على أن هناك حلقات تاريخية حاسمة تتكرر في كثير من البلاد يتم فيها طمس بعض المعالم التاريخية للشعب أوالقبيلة لعدة أسباب أكثرها يتعلق بمظاهر القوة والعزة. والناس في الغالب ترغب في الانتساب إلى الأقوى . ومن لم يستطع ذلك فالأرجح أن ينتسب إلى طرف آخر يمكن أن يشكل تحدياً للأقوى. والباقون يُحكم عليهم بالفناء والإبادة أو طمس تاريخهم.
وماحصل من
تقسيم العرب إلى عرب بائدة وعاربة ومستعربة لايخرج عن هذه القضية. فبعد سيطرة قريش على مقاليد الأمور وخاصة بعد المكانة التي اكتسبتها بعد البعثة النبوية ظهرت القطبية التي ترفع من شأن الآخرين وهم اليمن، وتم اختصار أنساب العرب إلى قحطان وعدنان وقضاعة التي تحيرت بين الاثنين .
ومن المؤسف أن يتم استخدام النصوص القرآنية للاستدلال على فناء شعوب كاملة دون أن تحتمل النصوص ذلك. فعندما تكلم المؤرخون عن إبادة عاد وثمود، استدلوا ببعض النصوص و تركوا بعضها الآخر. والواقع أنَّ القرآن عندما ذكر إبادة عاد كان الكلام عن ساكني الأحقاف وليس عن كافة الشعب الذي ورث قوم نوح في خلافة الأرض كما جاء في مواضع أخرى في القرآن. وماذكر أيضاً عن إبادة ثمود كان محدداً في أصحاب الحجر دون تعميم على غيرهم.
ثم لنرجع إلى ما سمي
بالعرب البائدة. قالوا هي عاد وثمود وطسم وجديس والعماليق إلى آخر ذلك. وهذا يعني أن هؤلاء كانوا عرباً ثم بادوا أو باد أكثرهم . فهل أقيم الدليل على أن هذه الشعوب كانت عربية في المقام الأول؟ وماهوالدليل على عروبتهم؟ هل وجد نص واحد ينسب إلى شعب عاد أو ثمود فمن سواهم ينسبون فيه أنفسهم إلى العرب أونجد لهم نقوشاً أوآثاراً باللغة العربية المعروفة؟
وهناك سؤال آخريتعلق بالموضوع . متى بدأ ذكر العرب في التاريخ ؟ ومتى بدأ الأدب العربي والتراث الفكري العربي في الظهور؟ والجواب الذي يأتي من المؤرخين أن أول ذكر للعرب كان في القرن التاسع قبل الميلاد عندما تحرشوا بأحد ملوك بابل. ثم ذكرهم مؤرخ الإغريق هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد وذكر بعض ديارهم وفي القرن الأول بعده أوضح بطليموس في جغرافيته مدى انتشار العرب في الجزيرة العربية والصحراء و هي ما يحد نهرالفرات جنوباً إلى الشام. وما يحد نهر النيل شرقاً من أرض مصروسيناء و سائرالأردن وفلسطين و سيناءوهي العربية البتراء أوالصخرية.
ولكن هل يعني ذلك أن كل من سكن هذه البقاع كان عربياً ؟ أم أنه من الممكن أن يكون العرب قد تحدروا من ذرية قوم آخرين.فقد عثرعلماء الآثارعلى العديد من النقوش في اليمن وغيرها تعود إلى الألف الأولى قبل الميلاد وبعضها يعود إلى ما بعد الميلاد. ولانجد في أي من هذه النقوش ما يدل على أنها كتبت بلغة عربية نستطيع فهمها دون ترجمة، بل إنه توجد اليوم في عمان واليمن عدة لغات ليس لها علاقة باللغة العربية، وعندما يحدثك أهل اليمن يقولون أنها من بقايا لسان حمير. وإذا كان هذا لسان حمير الذي نعت بالغتمة وعدم الوضوح، كيف استقر القول أن اليمن هم من العاربة من قحطان و بني قحطان؟ ثم إذا كانت حمير وأبوها سبأ من العرب العاربة، فلماذا تم إبعاد الحبشة من العرب وهم أقرب إلى لسان حمير من العرب الآخرين؟ أليس الأكسوم وهم خلاصة الحبشة ينسبون إلى بلقيس ملكة سبأ؟ و أليس ظهورالأكسوم في سلالة حميرعند الهمداني مؤشراً على احتمال ارتباط الحبشة بحميرأوسبأ؟
لقد تعرض المنهج الإخباري لدى العرب إلى العديد من الانتقادات. ومن ذلك ما يروى عن سلاسل الأنساب البعيدة التي يصعب تصديق حفظها على مدى مئات السنين. وأشيرعلى وجه الخصوص الطعن الذي تعرض له بعض كبار النسابين مثل ابن الكلبي و من نقل عنه في مصداقية رواياتهم. ومن ذلك الأشعار التي تروى عن ملوك حمير الأقدمين مثل الصعب ذي القرنين وياسرناشر النعم وغيرهم والتي تتنافى مع الواقع اللغوي الذي توضحه الآثار والنقوش المكتشفة. وغيرذلك من الانتقادات التي يطول حصرها.
ولكن مسألة النقد المشار إليها ينبغي أن يتم تناولها بحذر وتمحيص، فليس العرب وحدهم الذين تعرض تراثهم التاريخي للنقد، ويبدوأن العديد من شعوب العالم تم تجهيل وتسطيح تراثهم التاريخي الذي تشكل الأنساب جزءاً منه. وهذه الحركة الفكرية التي تميل إلى نبذ التراث قد بدأت في القرن الثامن عشر وسيطرت في القرن التاسع عشروالذي يليه. فتمَّ نبذ معظم التراث الموثق للهند مثل( Rig Vedas) وبريطانيا مثل تاريخ جيفري (Geoffrey of Monmouth Historia Regum Britanniae)،وتاريخ نينيوس(Nennius Historia Brittonum)،وثلاثيات ويلز((Welsh Triads وما إلى ذلك، وهوما حصل تماماً عندما تمَّ نبذ تاريخ وهب بن منبه المسمى بالتيجان و تاريخ الهمداني من قبل بعض المؤرخين العرب والمستشرقين، مع العلم أن بعضهم الآخرهو من حقق بعض هذه الكتب النفيسة.
ويبدو أن ثمة معضلة محورية تعترى بعض هذه المصادر التراثية. فعندما يكتب أصحابها عن أخبار قريبة بعهدهم لا يبدو عليها الاضطراب في الغالب ويسهل على المحقق تمحيصها، ولكن عندما يربطون أنساب معاصريهم بسام أوحام أويافث هنا يتضح التهافت والضعف تماماً مثلما حصل في
ربط أنساب العرب بالثنائي عدنان وقحطان،و هكذا فإن التاريخ التراثي قد دفع ثمن اعتماده على مصادر التوراة أوالعهد العتيق كما يسمى، و ليس كل ما في التاريخ التراثي أوالإخباري ضلال أو خطأ، بل إن المصادر التاريخية القديمة هي أوثق ما اتصل إلينا من مصادر مكتوبة، و لكنها مع الأسف لم يتم تمحيصها وتحليلها بعناية لاستخراج سليمها من ضعيفها، وفي هذا يتساوى تراث العرب مع تراث غيرهم في كثير من الأحيان .
وفي واقع الأمروما دام الأمريتعلق بالنقد فإن المستشرقين و غيرهم لم يكونوا بأحسن حال من الإخباريين العرب في موضوع الأنساب، و على سبيل المثال، فإن الذي صنف سكان الجزيرة العربية إلى فئة الساميين هو شلوستر دون أي دليل على صحة هذا التصنيف، و ترتب على ذلك أن لغات العالم صنفت على أساس توراتي غيرعلمي فتجد مجموعة اللغات السامية ومجموعة اللغات الحامية ومجموعة اللغات الهندية الأوربية بما في هذا التقسيم من تناقض في المنهج، مع العلم أنه حتى التوراة لا تدعم هذا التصنيف اللغوي، فليس فيها ذكر لعاد أو ثمود وهي أقدم شعوب المنطقة الملقبة بالسامية وليس من دليل على علاقة عاد وثمود بسام أوغيره من أبناء نوح.
والمسألة الأخرى التي تشكل عقبة في دراسة الأنساب بشكل منهجي تتعلق بموضوع تحديد مشكلة البحث، و قد أوضحنا في كتابنا "
دليل إنشاء وتحقيق سلاسل الأنساب" أن تحديد مشكلة البحث من الخطوات الرئيسية في المنهج العلمي، وقد يعتقد البعض أن هذه مسألة بديهية، و لكن لننظرإلى المثال التالي:
مثال:
نسب البربر إلى العربورد عند النسابين أن البربر اختلف في عروبتهم أوعروبة بعضهم، وهذا التصنيف يرجع إلى قضية الانتساب للأقوى التي أشرنا إليها سابقاً، فلوكان البربر هم الذين ورثوا الأرض من الفرس والروم بدل العرب لكان السؤال:
هل العرب من البربرأم لا؟ولنعرض هنا بعض الاقتراحات الأخرى لمشكلة البحث:
• هل العرب من البربرأم البربرمن العرب؟
• هل هناك قرابة بين العرب والبربر؟
• هل هناك عرب تحولوا إلى بربر؟
• هل هناك بربر تحولوا إلى عرب؟
• هل هناك أصل مشترك يجمع العرب والبربر؟
• أي من العرب يقصد بهذا الموضوع؟
• أي من البربر يقصد بهذا الموضوع؟
• هل هناك فئات أخرى أقرب إلى البربر من العرب؟ وماهي؟
• ماهي الفترة الزمنية التي تحدد فيها الدراسة؟ كما يتضح من هذا المثال فإن تحديد المشكلة في إطار أوسع قد يكون أجدى للباحث وأحرى أن يستوعب أكثرالاحتمالات المتعلقة بالموضوع.
وقبل أن نختم هذا الجزء من الحديث أقول بالضرورة أنه لا يتسع المجال لاستقصاء جميع الجوانب المتعلقة بالموضوع، وإنما نهدف إلى إلقاء بعض الضوء عليه تحفيزاً للهمم لتناوله بصورة مفصلة في مناسبات أخرى. وكذلك أردت أن أوضح أن المؤرخين العرب لم يتفردوا بالنقد دون غيرهم. كما أن المنتقدين لم يقدموا بديلاً مقنعاً كمنهج لدراسة الأنساب في القرنين الماضيين.
ولننتقل الآن إلى القسم الثاني من الحديث وهو المصادر الغربية وأهميتها في دراسة أنساب العرب. وحيث أن حضارتي الروم والفرس أقدم من حضارة العرب الإسلامية. وأن أقدم المصنفات التاريخية والجغرافية المتوفرة حاليا هي من عمل الروم، فلابد للباحث أن يلجأ إلى هذه المصادر مثل
تاريخ هيرودوت والذين من بعده من الإغريق والرومان وغيرهم. فلابد من استقصاء مؤلفات سترابو وبليني وديودورالصقلي وغيرهم الذين تكلموا عن العرب و ذكروا طرفا من أخبارهم و وقائعهم. ولنذكر مثالاواحدا مما يمكن ملاحظته عند تقصي هذه المصادر و هو عن جغرافية بطليموس.
كان بطليموس ( (Claudius Ptolemyأميناً لمكتبة الاسكندرية حيث عاش في الفترة من 87-150 للميلاد على حسب إحدى الروايات، وكان هذا العالم ضليعا في الرياضيات والفلك والجغرافيا، ولكن أبرز ما تركه مما يتعلق بالموضوع هوأطلس حدد فيه مواقع البلاد والمدن والشعوب والقبائل.
ولننظرإلى إحدى الخرائط المنسوبة إليه وهي خريطة شبه الجزيرة العربية التي نشرها زويمر في كتابه "
الجزيرة العربية مهد الإسلام " "Arabia The Cradle of Islam S. M. Zwemer, London 1900 by " . ويجدرالتنويه أن هذه الخارطة ومثلها عدة خرائط وضعها جغرافيون في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي مستمدة من قراءتهم لجغرافية بطليموس.
ولننظرفيما إذا كانت هذه الخريطة تدعم تقسيم العرب إلى عدنانية وقحطانية وبائدة فماذا نرى؟
وبغض النظرعما إذا كنا نتفق مع ترجمة زويمر لأسماء القبائل أم نختلف فإن هناك ملاحظات هامة، فلا يوجد عدنان في الخارطة ابتداء وإنما توجد فروع منسوبة إليه مثل إياد. ومن الممكن أن نتصرف في اسم عدين لتقريبه إلى عدنان ولكن ذلك يحتاج إلى تمحيص، وأكبر شيئ في الخارطة هو سبأ، وبجوار سبأ قبيلة صغيرة قد تترجم إلى يعرب أوأرحب كما يقول زويمر، أما قحطان فهي في قلب نجد وأقرب إلى العارض، وأما ثمود فهي في الشمال الغربي قرب تيماء، وأماعنزة فلا توجد ولكن يوجد مايشبه عبدالقيس في منطقة الكويت، وعبدالقيس يفترض أنها من فروع عنزة، وغيرذلك من الملاحظات الكثيرة التي تحتاج إلى بحث متخصص بل إلى عدة أبحاث لتحليلها وتفسيرها، ولكن المهم في الموضوع أن هذا المصدر القديم والموثق لا يتفق في كثيرمن دلالاته الظاهرة مع نظرية الأنساب العربية، وعلى وجه الخصوص يؤكد أنه كان هناك العديد من القبائل العربية منتشرة في كافة أنحاء الجزيرة العربية وما قحطان وعدنان إذا قبلنا التحليل السابق إلا جزءاً من هذا الكل الذي يضم مازن وعك وغسان ولحيان وتنوخ وعذرة والأنباط و وبار غيرهم.
والملاحظة الأخرى الجديرة بالاعتبار وجود عدد من القبائل المنسوبة إلى قضاعة مما يثير تساؤلاً مشروعاً عما إذا كانت قضاعة في الواقع أقدم من عدنان و قحطان.
الاتجاهات الحديثة في الأنساب:هناك بعض الاتجاهات الحديثة في الأنساب بدأت تأخذ مساحة كبيرة في الغرب. ولنتطرق إلى بعضها في عجالة. إن أهم هذه الاتجاهات في تقديري هو
استخدام البصمة الوراثية أو البصمة الجينية في إثبات النسب. بدأ هذا الاتجاه بعد اكتشاف العالم البريطاني جيفريز بعض طلاسم الجينات التي تنقل المقومات الوراثية من جيل لآخر وهي ما يسمى بالحمض النووي الريبوزي المختزل ( د ن آ) للاختصار. وتحتوي هذه المقومات الوراثية على كل الصفات الوراثية التي يحملها الإنسان. وتترتب هذه الجينات على 23 زوجا من حاملات الجينات أوالكروموسومات. وتتألف الكروموسومات من الحمض النووي وبروتينات لها دورمهم في المحافظة على هيكل المادة الوراثية. إن المعلومات الوراثية للإنسان تكمن في تتابع الشفرة الوراثي في مواقع محددة، واكتشاف جيفريز يكمن في العثور على اختلافات في تتابع الشفرة الوراثية ينفرد بها كل شخص مثل بصمة الإصبع، ولذلك أطلق عليها بصمة الجينات، وهذه الاختلافات في التركيب الوراثي تورث للأطفال عن طريق الأب والأم.
ومنذ ذلك الحين بدأ استخدام البصمة الوراثية في تتبع القرابة بين مختلف الشعوب والأجناس والقبائل، وتطورت التجارب في هذا المجال حتى أصبحت تستخدم في الأدلة الجنائية وفي إثبات الأبوة والبنوةعلى درجة عالية من الدقة، وتطور الموضوع إلى الاستخدام التجاري والشعبي، فيوجد اليوم حوالي عشر مؤسسات تجارية على استعداد لأخذ البصمة الوراثية لشخصين أوأكثر لتحديد ما إذا كانا يمتان لبعضها بالقرابة.
وتعتبرالمخرجات التالية من النتائج المتوقعة لهذه الفحوصات:
• تحديد ما إذا كان هناك قرابة بين شخصين.
• تحديد ما إذا كان الشخصان يتحدران من سلف مشترك.
• اكتشاف ما إذا كان هناك قرابة بين أفراد يشتركون في اسم العائلة.
• إثبات أونفي نتائج أبحاث سلسلة نسب معين.
• تحديد الملامح العرقية لشخص ما.ويتم الوصول إلى هذه النتائج من خلال فحوصات كروموسوم ياء الذكرية وفحوصات أخرى أمومية وبما أن كروموسوم ياء ينتقل من خلال الآباء إلى الأبناء فإنه يمكن بالتحديد معرفة النتائج المشار إليها أعلاه ويمكن من ذلك وجود علامات متناهية في الصغرعلى كروموسوم ياء تسمى نوع هابلو، وهذه العلامات تحتوي على اختلافات تميز أعراقاً و شعوباً عن غيرها، وفي هذه الحالة يحتاج الباحث إلى عدد كبير من العينات للتفريق بين مواصفات الأجناس المختلفة. ويمكن تحديد مدى وجود قرابة عن طريق التركيب الجيني أوالهابلو لكروموسوم ياء، ويعبرعن ذلك رقميا عن تردد أوتتابع الأساس النووي لكل علامة أوموقع على كروموسوم ياء يتم اختباره. فإذا كان الأشخاص المشاركين في الاختبار يتطابقون في نوع الهابلو أو رقم التتابع لجميع العلامات يستنتج وجود أب أو جد مشترك بينهم. ويتراوح عدد العلامات اللازمة للاختبار بين 12 و 34 ولكن أكثر الفحوصات التجارية تستخدم 25 علامة لدراسات اسم العائلة المشترك. ويعتبرتوافق نوع الهابلو لخمس وعشرين علامة كافية الوجود سلف مشترك في الماضي، ولكن يقبل أيضا توافق 24 من 25 .
مثال1:لاحظت الباحثة الأمريكية ميجان سمولنياك (Megan Smolenyak Smolenyak, Association of Professional Genealogists Quarterly, March,2003) أن بلدتها الأصلية أسترنا في سلوفاكيا تحتوي على ثلاث أسر تشترك في لقب سمولنياك نفسه. بذلت هذه الباحثة مجهودا كبيرا للحصول على دعم هذه الأسر للمشاركة في الاختبار، انطلاقا من الاعتقاد السائد أن هناك سلفا مشتركا يجمعها. وقدم عمدة المدينة الدعم المعنوي لإقناع عدد كبير من أفرادالبلدة بالمشاركة. واستخدمت الباحثة الأدوات المعتادة مثل وثائق الأسر وسجلات الكنيسة وغير ذلك. ولكن السجلات توقفت عند حوالي 1700 ميلادية دون الوصول إلى سلف مشترك، وبالتالي لجأت الباحثة إلى فحص البصمة الوراثية وتم إقناع عشرين رجلا من أهل القرية بالمشاركة.
ويتم ذلك عادة عن طريق أخذ كمية صغيرة من اللعاب في حافظة اختباروإجراء الفحص في المختبر بعد ذلك. وكانت النتيجة التي حصلت عليها الباحثة غير متوقعة تماماً. فقد جاءت العلاقة سلبية لجميع الأسر التي تحمل نفس اللقب.
ومع ذلك فقد وجد أن أسرة أخرى لا تحمل نفس اللقب وهي فانكو (Vanecko) تتصل مع إحدى أسر سمولنياك في سلف مشترك.
مثال 2:بحث دافيد بتلر كومنج (David Butler Cumming, New England Ancestors, Summer 2003) في مسألة قرابة جون كومنJohn Comins d. 1751) ) المزعومة إلى أسرته التي تنتسب إلى إسحاق كومنج ( ؟Issac Cummings,b 1601-).وسبب هذا البحث أن هذه القرابة وردت في بعض الكتب القديمة المؤلفة سنة 1903 و1904 التي ظن الباحث أنها جاءت تجميعا للأسماء المتشابهة التي سكنت في مقاطعة واحدة هي إسكس في ولاية ماساشوتس .
وحيث أن هذه الأسرة لها جمعية واجتماعات دورية تثار فيها مسائل الأنساب، قررالباحث عمل اختبار البصمة الوراثية تحت إشراف أستاذ في جامعة برجهام يونج . وتم اختبارعينات من تسعة أشخاص ستة منهم ينتسبون إلى إسحاق كومنج وثلاثة إلى جون كومن حسب التسلسل المعروض في المرجع المشار إليه. وتم عرض النتائج فيه والتي توضح أن 11علامة من 23 علامة تم اختبارها مختلفة بين أحفاد جون كومن وأحفاد إسحاق كومنج.وبذلك استنتج الباحث أن احتمال اشتراك هؤلاء في جد عاشر يبلغ 3 في المليون وهواحتمال ضعيف جدا.كما يتضح أيضا من الدراسة أن أحد أفراد عائلة إسحاق كومنج وهورقم 3 في الشكل لايمت بقرابة دم إلى هذه الأسرة.واقترح الباحث ستة تفسيرات لدخول هذا الفرد ضمن الأسرة مثل التبني أو كفالة أحد الآباء لابن زوجته من زوجها الأول وما إلى ذلك.
خاتمة:تحتاج مراكز الأبحاث عندنا إلى تطوير مناهج علمية لبحوث الأنساب بحيث يتم الاستفادة من جميع المصادر المتوفرة وخاصة الحديثة منها. ويتوقع أن يأخذ موضوع البصمة الوراثية زخما كبيرة في المستقبل القريب وأن يكون له أبعاد قانونية وحضارية وتاريخية كبيرة، وليس من المستحب أن نكون بعيدين عن هذا الموضوع ونظل نتمسك بنظريات قديمة دون الاستفادة من التقنيات الحديثة في الاستدلال عليها أومعرفة حقائق أخرى لم تكن معروفة.
والله الموفق وهوالهادي إلى سواء السبيل.
أ. د. عماد محمد العتيقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ